30 - 06 - 2024

إيقاع مختلف| شاعر رسام متأمل

إيقاع مختلف| شاعر رسام متأمل

تسألنى عن أحب كتاب الأغنية المصرية إلى نفسى؟ 

أقول لك: "مرسى جميل عزيز".

هذا الشاعر المدهش لم يكن يكتب وكفى، بل كان فى كل عمل غنائى يقدمه، يقدم ملمحاً فلسفياً خاصاً، أو رؤية تشكيلية مغايرة، بحيث تبدو طريقته فى الكتابة شديدة الارتباط به هو دون سواه، صورته غير الصورة، ونظرته غير النظرة، أما إحساسه فيشاركه فيه الملايين.

صحيح أننا عرفناه شاعراً يكتب قصيدته بالعامية المصرية، إلا أن واحدة من أعذب قصائده، وأكثرها تعبيراً عن رؤاه الفلسفية هي قصيدة "سوف أحيا" التى تشدو بها جارة القمر فيروز، ففى القصيدة موقف ساطع من الحياة، يؤكد محبته لها، وإصراره على أن يحيا كل لحظة فيها، مادام قلبه مفعماً بالحياة:

يَا رَفِيقِى نَحنُ مِنْ نُورٍ إِلَى نُورٍ مَضَينَا

وَمَعَ النَّجمِ ذَهـبنَا وَ مَعَ الشَّمسِ أَتَينَـا

أَينَ مَا يُدعَى ظَلامَاً، يَارَفيقَ اللَّيلِ أَينَ؟

إِنَّ نُـورَ اللهِ فِي القَلبِ وَهـَذَا مَا أَرَاهْ

سَوفَ أَحيَا .. سَوفَ أَحيَا

هذا الإحساس النورانى الشفيف الذى يسكن روح الشعر يدعوه إلى أن يحيا حياته، محباً لها، راضياً عنها، مع علمه بأنه ماض عنها بعد قليل، بل أقل من القليل:

ليسَ سِـرَّاً يَا رَفِـيقِى أَنَّ أَيَّامِى قَلِيلَـْة

لَيسَ سِـرّاً إِنَّمَا الأَيَّــامُ بَسْماتٌ طَويلَةْ

إِنْ أَردتَ السِّرَّ فَاسأَلْ عَنهُ أَزهَارَ الخَمِيلَةْ

عُـمرُهَا يَومٌ وَتَحيَا اليَومَ حَتَّى مُنتَهَـاهْ

سَوفَ أَحيَا .. سَوفَ أَحيَا

إنها الروح المتفائلة المحبة للحياة التى سبق لى أن عشقتها لدى شاعر التأمل العربى الكبير "إيليا أبى ماضى"، ثم انظر إليه وهو يتأمل رحلة الحياة بطريقته الخاصة جدا، وأسلوبه الشعرى الذى يجعل من العامية المصرية الرشيقة سبائك من الذهب الخالص: "على طول الحياةنقابل ناس.. ونعرف ناس.. ونرتاح ويا ناس عن ناس. وبيدور الزمن بينا.. يغير لون ليالينا. وبنتوه بين الزحام والناس.. ويمكن ننسى كل الناس.. ولا ننسى أعز الناس.. حبايبنا"

وكأنى بالشاعر المدهش "مرسى جميل عزيز" يكمل اللوحة المتأملة التى بدأها إيليا أبو ماضى فى "الطلاسم" حين هتف : "جئت.. لا أعلم من أين .. ولكنى أتيت"

فهتف هو : "من غير ليه"

وهو طبعا سوف يكمل هذه النظرة الفلسفية المتأملة، الممتزجة بمسحة عاطفية بينة، فى أغنيات أخرى شهيرة مثل :  "سيرة الحب"، "يا خلى القلب"، "بيت العز"، "شىء من بعيد نادانى"، وغيرها من قائمة طويلة، تبدو فيها روحه المتأملة المتسائلة حيناً والمطمئنة فى معظم الأحيان.

فإذا ما ذهب إلى ساحة الغناء الشعبى، ذهب ليدهشنا بمصريته الشديدة ورمزيته المنطقية الدافئة: "يا امّا القمر ع الباب" ، "أنا قلبى لك ميال"، "أما براوة"، "يا حلو صبح"، "رمش عينه".

أما عن ريشته الخاصة فى رسم الصورة الشعرية غير المسبوقة، فيكفى أن أشير إلى أغنية "أنا باستناك" كنموذج لطريقته الخاصة جدا جدا فى رسم الصورة الشعرية المذهلة.
-----------------------
بقلم: السيد حسن






مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان